كيف تُكتب القوانين في دولة الإمارات؟
كيف تُكتب القوانين في دولة الإمارات؟
مسار التشريع الاتحادي
مبادرة التشريع
تنطلق عملية التشريع في دولة الإمارات عندما تتعرّض الحكومة الاتحادية—من خلال إحدى وزاراتها أو هيئاتها المعنية—لحاجة واضحة إلى قانون جديد أو تعديل تشريعي. تستند هذه المبادرة إلى دراسات اجتماعية واقتصادية معمقة، أو استجابة لالتزامات دولية، أو رغبة في سدّ ثغرات ظهرت أثناء التطبيق العملي للتشريعات القائمة. في هذه المرحلة، يجتمع فريق من المتخصّصين لتحديد الأهداف العامة للنظام القانوني المطلوب، مع الحرص على توافقه مع السياسات الوطنية والاستراتيجية التنموية للدولة.
صياغة مسودة القانون
تتولى وزارة العدل أو الجهة الاتحادية المعنية قيادة فريق الصياغة الذي يضم خبراء قانونيين واقتصاديين ومستشارين في السياسات العامة. يعمل هذا الفريق على تحويل المرجعيات والدراسات إلى نصوص قانونية واضحة ومترابطة، ثم يُرفق بمسودة القانون تقارير مقارنة مع تشريعات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى تقييمٍ مفصل للأثر الاجتماعي والاقتصادي المحتمل، مع مراعاة القيم الثقافية للمجتمع الإماراتي.
مراجعة مجلس الوزراء
بعد الانتهاء من إعداد المسودة، يُرفع مشروع القانون إلى مجلس الوزراء لإجراء المراجعة الأولى. في هذه المرحلة، يتم التدقيق في اتساق النص مع الأطر الحكومية الأخرى والخطط الاستراتيجية الإماراتية. قد يطلب المجلس تعديلات أو إضافات لضمان انسيابية التنفيذ وملاءمته للأولويات الوطنية، فتعود المسودة إلى فريق الصياغة لإدخال التعديلات المطلوبة قبل الانتقال إلى الهيئة التشريعية الاتحادية.
استشارة المجلس الوطني الاتحادي
يُحال المشروع بعد ذلك إلى المجلس الوطني الاتحادي، الذي يعمل كسلطة استشارية وتشريعية ديناميكية. يخضع القانون لجلسات نقاش معمقة يشارك فيها أعضاء المجلس ولجانه المتخصصة، وقد تُدعى جهات حكومية أو خبراء ومدنيين للإدلاء بآرائهم. يهدف هذا النقاش إلى تعزيز شرعية النص القانوني والتأكد من توافقه مع الدستور وحماية الحقوق الأساسية، قبل أن يصوّت عليه المجلس بالتمرير أو يقرّر تعديل بعض مواده.
المصادقة في المجلس الأعلى للاتحاد
حين يقرّ المجلس الوطني الاتحادي مشروع القانون، يرفعه مجلس الوزراء إلى صاحب السمو رئيس الدولة بصفته رئيس المجلس الأعلى للاتحاد. يجتمع حكام الإمارات السبع في المجلس الأعلى للنظر في المشروع واتخاذ قرارهم النهائي بشأنه. تُعد مصادقتهم الخطوة الحاسمة التي تثبت اتفاق قادة الدولة على النص، ما يهيئ الطريق للمرحلة التالية من التصديق الرسمي والنشر.
التصديق والنشر
يوضع توقيع صاحب السمو رئيس الدولة على القانون المقرّ بعد مصادقة المجلس الأعلى للاتحاد، ثم يُنشر في “الوقائع الإماراتية” (الجريدة الرسمية) يدوياً أو إلكترونياً. يبدأ سريان القانون اعتباراً من التاريخ المحدد في نص النشر، ليُلزم كافة الأفراد والمؤسسات بالالتزام بأحكامه، ويُعدّ نشره رسمياً شرطاً رئيسياً لإضفاء الصفة القانونية على النص.
المراسيم العاجلة في حالات الطوارئ
في ظل الظروف الاستثنائية أو الطارئة، يكفل الدستور لرئيس الدولة صلاحية إصدار مراسيم اتحادية تحمل قوة القانون فور نشرها، بعد استشارة مجلس الوزراء ومصادقة المجلس الأعلى للاتحاد. يُستخدم هذا الإجراء لضمان سرعة الاستجابة للتحديات العاجلة، شرط أن لا تتعارض هذه المراسيم مع أحكام الدستور، ويجري العمل بها لفترة مؤقتة إلى حين إقرار قانون دائم في الهيئة التشريعية.
المتابعة والتقييم المستمر
لا تنتهي مهمة التشريع بمجرد نشر القانون؛ إذ تواصل الجهات الحكومية والهيئات الرقابية مراقبة تطبيقه على الأرض. تُعقد ورش عمل واجتماعات دورية لمراجعة فعالية النصوص وكشف أية ثغرات أو ممارسات غير صالحة. تبقى قنوات الحوار مفتوحة مع الخبراء والمجتمع عبر الاستشارات العامة، ما يتيح تعديل التشريعات أو إصدار لوائح تنفيذية جديدة حسب الحاجة، ويعزز من استمرارية التطوير القانوني في الدولة.
بهذا الترتيب المتدرّج والضوابط الدقيقة، تكفل الإمارات صدور تشريعات عادلة وفعّالة تدعم التنمية المستدامة، وتحمي الحقوق، وترسخ مظلة القانون لمجتمع يسعى دوماً للتقدم والابتكار.
أعجبك المقال؟ شاركه من خلال الموقع!
لا توجد تعليقات حتى الآن، رأيك يهمنا!
كن أول من يشارك أفكاره ويبدأ المحادثة. نحن متحمسون لمعرفة رأيك!