المتهم بريء حتى تثبت إدانته: هل يُطبق هذا المبدأ فعلاً؟

المتهم بريء حتى تثبت إدانته: هل يُطبق هذا المبدأ فعلاً؟
المتهم بريء حتى تثبت إدانته: هل يُطبق هذا المبدأ فعلاً؟
يُعد مبدأ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" من أبرز المبادئ القانونية التي تُشكّل حجر الأساس في الأنظمة القضائية الحديثة، وهو الركيزة التي يقوم عليها تحقيق العدالة في أي مجتمع متحضر. هذا المبدأ لا يكتفي بتحديد إطار قانوني، بل يتجاوز ذلك ليصبح ضمانة إنسانية وأخلاقية تحمي الفرد من التعسف وتُرسّخ قيم الإنصاف والعدالة.
 
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يُكرّس هذا المبدأ ضمن التشريعات والقوانين والإجراءات القضائية التي تُطبَّق على أرض الواقع. ولكن يبقى السؤال: إلى أي مدى يُطبق هذا المبدأ فعليًا في الحياة اليومية وفي أروقة المحاكم، خاصة في ظل تحديات الإعلام، والرأي العام، وسرعة تداول المعلومات؟
 
ما هو مبدأ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"؟
ببساطة، هذا المبدأ يعني أن أي شخص يُوجَّه له اتهام لا يُعتبر مجرمًا ولا يُعامل كمذنب قبل أن يصدر ضده حكم نهائي من محكمة مختصة، بعد محاكمة عادلة ومتكاملة تتوافر فيها جميع الضمانات القانونية.
يقوم هذا المبدأ على مبدأ قانوني آخر مهم، وهو أن عبء الإثبات يقع على عاتق النيابة العامة أو جهة الادعاء، وليس على المتهم. فلا يجوز إجبار المتهم على إثبات براءته، بل يجب على الجهة التي تتهمه أن تقدم الأدلة الكافية لإثبات الجريمة المنسوبة إليه.
 
ويُعتبر هذا المبدأ من المبادئ الراسخة في المواثيق الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو ما يجعل احترامه أمرًا ضروريًا لضمان العدالة والكرامة الإنسانية.
 
التطبيق العملي للمبدأ في دولة الإمارات
النظام القضائي في دولة الإمارات يتمتع ببنية قانونية قوية تنطلق من مبدأ احترام حقوق الإنسان. ويُعد مبدأ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" من المبادئ المنصوص عليها في القوانين الاتحادية وفي الإجراءات الجنائية.
 
منذ لحظة القبض على المتهم، يُمنح سلسلة من الحقوق القانونية تضمن له المعاملة العادلة، منها:
 
الحق في توكيل محامٍ، حتى في مرحلة التحقيق.
 
الحق في الصمت وعدم الإجبار على الإدلاء بأقوال.
 
الحق في معرفة التهم الموجهة إليه بوضوح.
 
الحق في طلب تأجيل الجلسات لإعداد الدفاع بشكل كافٍ.
 
الحق في الطعن في قرارات المحكمة ضمن المدد القانونية.
 
ورغم هذه الضمانات، لا يمكن إغفال بعض التحديات التي قد تواجه التطبيق الواقعي للمبدأ، خاصة في القضايا التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة، أو تلك التي تمس قضايا رأي عام. إذ قد يتأثر الرأي العام وتُطلق الأحكام المسبقة، مما يضع المتهم في موضع إدانة قبل صدور الحكم القضائي.
 
أهمية الدور القضائي في حماية هذا المبدأ
تتحمل المحكمة مسؤولية كبرى في الالتزام بهذا المبدأ وتطبيقه حرفيًا. فالمحكمة هي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار الحكم، ويجب أن تبني قرارها فقط على الأدلة المتاحة، دون الالتفات إلى الضغوط الخارجية، سواء كانت من وسائل الإعلام أو من المجتمع.
 
ويُشدد القضاء الإماراتي على أهمية التحقيق النزيه، وسماع كافة الشهادات، ومراعاة التوازن بين حقوق الادعاء وحقوق الدفاع. فحتى في حال توفر شك بسيط في الأدلة، يجب أن يُفسَّر هذا الشك لصالح المتهم، وهو ما يُعرف قانونيًا بمبدأ "الشك يفسر لصالح المتهم".
 
الإعلام والرأي العام: سلاح ذو حدين
لا شك أن للإعلام دورًا مهمًا في كشف الحقائق ومتابعة سير العدالة، إلا أن دوره قد يكون مؤثرًا بشكل سلبي إذا لم يلتزم بالحيادية والمسؤولية. فالتحقيقات لا تزال جارية، والمحاكمة لم تبدأ بعد، ومع ذلك تصدر بعض وسائل الإعلام عناوين حاسمة تتحدث عن "الجريمة" بدل "الاتهام"، وتصف الشخص بـ "المجرم" لا بـ "المتهم"، مما يُشكل خطرًا على سمعة الأفراد وحقوقهم.
 
لذلك، من الضروري أن يلتزم الإعلام في الدولة بالمهنية في التغطية القضائية، وألا يُطلق أحكامًا مسبقة، حفاظًا على مبدأ العدالة.
 
ضمانات العدالة في القانون الإماراتي
يتضمن النظام القضائي الإماراتي سلسلة من الضمانات الأساسية لتكريس هذا المبدأ، منها:
 
استقلال القضاة وحيادهم.
 
وجوب إثبات الجريمة بأدلة قاطعة.
 
حق المتهم في تقديم دفاعه كاملاً.
 
السماح للطعن في الأحكام.
 
الرقابة على التحقيقات من قبل النيابة والقضاء.
 
وكل هذه الضمانات تهدف إلى منع وقوع أي ظلم أو تحيز، وضمان أن يُبنى الحكم فقط على الأدلة، لا على الانطباعات أو الضغط الخارجي.
 
العدالة مسؤولية الجميع
إن احترام مبدأ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" ليس فقط مسؤولية المحاكم، بل هو التزام مشترك بين جهات إنفاذ القانون، والإعلام، والمجتمع ككل. فكل شخص معرض لأن يكون في موضع اتهام يومًا ما، ويجب أن تُكفل له ذات الحقوق التي نطالب بها للآخرين.
 
تطبيق هذا المبدأ هو ما يميز الدول التي تحترم الإنسان وتؤمن بسيادة القانون. وفي الإمارات، نجد أن التشريعات متقدمة في هذا المجال، لكن تبقى الحاجة قائمة لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية احترام هذا المبدأ، خاصة في زمن الإعلام السريع والحُكم العلني عبر المنصات الاجتماعية.
أعجبك المقال؟ شاركه من خلال الموقع!

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن، رأيك يهمنا!
كن أول من يشارك أفكاره ويبدأ المحادثة. نحن متحمسون لمعرفة رأيك!

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

منشورات مشابهة